قال عضو اللجنة الوطنية للأوقاف في مجلس الغرف السعودية، الشيخ أحمد كريري لـ«اليوم»: إن مفهوم الوقف بدأ مع ظهور الإسلام، ومهما وصلت التجارب الحالية المشابهة، فيبقى الوقف هو الأعمق، مؤكدا أن الوقف بدأ مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها»، فكان الصحابة جميعهم يوقفون أسهمهم ومالهم، كبئر الرؤمة والتي أوقفت وأصبحت أمنًا مائيًا، والمزارع كأمن غذائي، والمساجد كمقر تعليمي، مضيفا أنها لاقت رواجًا في عهد الدولة المملوكية، ثم بشكل أكبر في عهد الدولة العثمانية، وكانت المستشفيات المتنقلة تقوم بعلاج الجنود المحاربين كأوقاف.
وأضاف أحمد كريري، إنه متفائل برؤية 2030 وكذلك بالهيئة العامة للأوقاف، خصوصًا بعد أن أعطى معالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية الدكتور مفرج الحقباني، الضمانات لاستمرار دعم الأوقاف، وتوضيح رؤية الهيئة المتمثلة في أن تكون الباعث الرئيس، للنهوض بقطاع الأوقاف في المملكة العربية السعودية، بما يضمن حسن استغلال الأوقاف، لتخدم غايات التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، وفقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية والأنظمة المطبقة، مشيرًا الى أن تلك الرؤية تعد الخطوة الأساسية، وبعدها يأتي تعيين أعضاء مجلس إدارتها.
وعن توجيه المجتمع لدعم الأوقاف، وتبيان أنها أفضل من الصدقة المباشرة، شبه كريري، الصدقة كالمطر الذي يهطل على الأرض القاحلة، وينبت الزرع ويموت بعد وقت، مشبها الوقف بالنهر الذي يمر على أرض طوال السنة، والذي من خلاله تستطيع زراعة الأشجار وغيرها. مؤكداً في الوقت نفسه أن كليهما فيه خير، ولكن في تصورنا أن الخير المتعدد والدائم يكون في الأوقاف، منوها بأن المجتمع يحتاج لمشروع توعية، خصوصا أن علاقة المسلم مع الأوقاف علاقة تاريخيه، وتحتاج الأوقاف إلى حوافز، من خلال إيجاد صناديق تمويلية، وذلك سيكون مؤثراً كبيرا وجاذبا لرجال الأعمال لدعمها والمشاركة بها، ووجود مشاريع وقفية مدروسة بطرق حديثة وسليمة، سيعطي رجال الأعمال الجرأة على التواجد بشكل أكبر في الأوقاف، مشيراً إلى أننا في بلد خير والدليل تسجيل أكثر من 600 وقف سنويا في السعودية، مما يعكس التوجه الكبير من الدولة والمجتمع.
وعن كيف يكون الوقف ناجحا، وعلاقة الوقف بالتنمية، قال كريري إن الأوقاف مرتبطة بالتنمية، وكمثال عن الأوقاف، لدينا دواجن الوطنية، التي تنتج 820 ألف دجاجة يومياً، ومليون بيضة، وهذا يمثل 40% من ناتج السوق المحلي من الدواجن، وفيها 7500 موظف، بينهم 1000 موظفة، وهذا دليل على أن الأوقاف رافد مهم للتنمية، مؤكدا أن 90% من الجامعات العالمية الناجحة هي من الأوقاف، منوها بأن هناك العديد من الجهات الوقفية الناجحة في السعودية، في مجال الصحة والتعليم والتدريب. مؤكدا في الوقت نفسه أن الوقف يحقق الأمان المجتمعي مع أي تأثر اقتصادي، والعدالة الاجتماعية، ولدينا أحد الأبراج بمكة المكرمة والمسجل كوقف، به 1200 موظف سعودي، مشدداً على أهمية تجويد الوقف بإدارة مهنية وكادر من الكفاءات العالية لكي ينجح الوقف ويستمر بطريقة صحيحة وتطوير دائم، ولابد من وجود صناديق وقفية لتمويل الأوقاف بالتساوي.
عن الحقائب الإدارية، التي تندرج تحت وزارة الشؤون الإسلامية وتأثير ذلك على تواجد الوقف بينها، ذكر كريري، أن وجود هيئة مستقلة مرتبطة بالملك مباشرة، يعطي رؤية واضحة لتواجد الأوقاف، وسيكون عاملاً أساسيا ومهما لتطوير وازدهار الأوقاف في المملكة العربية السعودية. مؤكداً في الوقت نفسه أهمية وجود استقلالية للأوقاف وبدون شروط على الواقف، وذلك لأنه يبني علاقة مع الله سبحانه وتعالى ولا يريد أرباحا مالية.
وعن أنواع الأوقاف الناجحة وصعبة النجاح، أوضح كريري، أن هناك عدداً كبيرا من الأراضي المسجلة كأوقاف، أملا من الواقفين أن يأتي بعدهم مَنْ يعمرها، مما تسبب في تكدس كبير للأراضي غير المستغلة، موضحاً أن الأوقاف إما أن تكون ذرية أو خيرية، أو أن تكون ذرية وخيرية، وعلى كل حال لا بد من وجود إدارة مهنية لكي ينجح الوقف، منوها بأن «بيت القصيد» في نجاح أي وقف يعود لصك الوقفية وناظر الوقف، مضيفا إن اللجنة الوطنية للأوقاف أوجدت حلا لاستغلال الأراضي وإمكانية بيعها وذلك لاستثمار الأراضي الأخرى، مشددا على أهمية تسريع عمليات نقل الأوقاف، وإعطاء الصلاحيات للمنظرين.
وذكر كريري، إمكانية وجود أوقاف شبابية متنوعة، تحتوي الشباب وتقدم لهم الترفيه والتعليم والتدريب وممارسة الرياضة، وتوجد مبادرات حاليا لكنها لا تغطي الحاجة لمثل هذا التوجه المهم، مشيراً إلى أن فرص الأوقاف للشباب غير الموجودة لدينا حاليا، مدارس تحديد المسار والتخصص، كذلك التقوية، وإسهام الأوقاف في التنمية البشرية موجود بمستوى قليل، كذلك تمويل الشباب ومنحهم فرصا تجارية، موضحا أن الأوقاف تنشط فيما لا ينشط فيه الآخرون، فهي تتواجد في الزراعة، وحفظ الأمن الغذائي وغيرها.
وعن إجراءات توثيق أي وقف، أكد كريري، أنها تبدأ بتحديد عين الوقف، وتحديد النظار عليها، تحديد المصارف، ثم النظر في صيغة وقفية، ثم الإتجاه لأقرب محكمة، ثم التقدم لقاضي الأحوال الشخصية، لكي يتأكد من سلامة الإجراءات، وفي الأخير يتم التهميش على الصكوك، والسجلات المالية.
وأوضح أحمد كريري، أن صعوبة الحصول على أرقام دقيقة للمساهمات المالية والريع العام في كل منطقة، يعود للواقف نفسه، خوفا من ضياع الأجر، منوها الى أن هناك عددا من الواقفين لا يعلم أفراد أسرته بما أوقف، موضحا أن منتدى العالم الإسلامي الأخير بمكة المكرمة أوضح أن قيمة الأصول الوقفية في المملكة 54 مليار ريال، فيما يقارب ريعها 300 مليون ريال فقط، وذلك ما أعلنه المستشار عبدالله النمري، في ملتقى الأوقاف.
وأضاف كريري، إن الوقف جزء من الحضارة الإسلامية، ويمثل اهتمامه بالإنسان، وكأمثلة على الأوقاف في بلاد المسلمين، نجد أوقافا عن الخط الجميل، وعن النساء الغاضبات ويعنى بالمتزوجات اللاتي حصل لهن مشاكل أسرية، وكذلك أوقاف عن الخدم والسائقين، يتم من خلالها دفع نصف الرواتب لهم، كذلك وقف لتزويج البنات الفقيرات، يوجد أوقاف عن الكلاب الضالة، كذلك أوقاف لتحسين أخلاق الأطباء، وأوقاف لحفظ البذور، ولترتيب الزواجات، ووقف لبناء بيوت للطيور على جدران المساجد، ووقف لمنع المعلمين من التدخين، وغيرها الكثير.
ونوه كريري، بأن الأوقاف تحتاج إلى دعم إعلامي من الجهات الإعلامية، خصوصا أن لدينا أوقافا عالمية، فيعتبر وقف الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة أكبر وقف في العالم من حيث البناء «برج الساعة»، وغيره من الأوقاف المهمة التي تحتاج إلى إظهار.