يعد الوقف الإسلامي، من الثوابت المهمة اقتصاديا، ومن الأبواب المضمونة سياسيا وتنمويا، لتمويل الكثير من البرامج. ومع ذلك لا يزال عنصرا مهملاً، ولا يستخدم بالكفاءة المطلوبة. حيث للوقف الإسلامي أنواعه وخصائصه ومجالاته، التي تستدعي الوقوف عندها لتوضيح دوره الفعلي في برامج التنمية المستدامة ومدى قدرته على تنمية قطاع ثالث متميز عن القطاعين الحكومي والخاص حيث يسهم في تقديم حلول ناجزة للمشكلات التي يعانيها أفراد المجتمع.
سمة مجتمع
وهذا ما أخذته على عاتقها دراسة قيمة للباحث والكاتب المصري، محمد ياسر شبل الخواجة أستاذ الفلسفة في علم الاجتماع الاقتصادي. إذ يمثل الوقف الإسلامي وفقاً لهذه الدراسة أحد أوجه الإنفاق التطوعي الذي أقره الإسلام وحثت عليه الشريعة، لذلك فهو يمثل سمة أصيلة من سمات المجتمع الإسلامي عبر تاريخه الطويل، ونظاماً من أنظمتها الأساسية في تحقيق برامج التنمية الشاملة، كما أنه يمثل رصيداً أساسيا لرأس المال الاجتماعي الذي يقوم على تبادل الثقة وقواعد السلوك وشبكات العلاقات الاجتماعية التي تحسن كفاءة النمو الاقتصادي في المجتمع؛ وفي هذا السياق تبرز المؤسسات الوقفية في المجتمعات الإسلامية باعتبارها مؤسسة اجتماعية ذات قيمة رمزية لكونها إحدى المؤسسات المجتمعية التي اعتادت تاريخيا الانخراط في تقديم الخدمات الاجتماعية، بل أيضا لتمتعها بمنظومة قيمية وثيقة الصلة بالحضارة الإسلامية ما يشكل إضافة قيمة لرأس المال الاجتماعي في هذه المجتمعات، بوصفه يشكل مؤسسة اجتماعية – تعكس كما يقول (أرماندو سالفا توري) على نحو جيد الطريقة التي يندمج بها بسطاء الناس في الممارسات والخطابات المتصلة بتحقيق المصلحة العامة، تلك المؤسسة التي تعبر عن المصلحة العامة من خلال تشكيل فضاء عام أو مجال عام له معالم فيزيقية محددة، هذه هي مؤسسة الوقف، التي تمثل البنية التحتية المالية التي تؤمن تحقيق المصلحة العامة خاصة في ميدانين من ميادين الحياة نسميهما في هذه الأيام ميداني التعليم والإحسان، وبالتالي فالوقف مؤسسة مستقلة بذاتها حافظت على قدر كبير من النمو والمرونة في استخدام الموارد لتحقيق غاياته النظامية، على الرغم من أنه لم يستطع أن يوفر الضمانات للحماية من سوء استخدام الموارد وانحرافها عن تحقيق أهدافها النظامية، ومع ذلك فإن تنظيم الوقف عبر القانون المدني قد ضمن مستوى من المرونة في مستوى صياغاتها الشكلية، ما أصبح يشكل ركيزة أساسية في عملية التنمية المستدامة في الوقت الراهن، نظراً لما يتمتع به الوقف الإسلامي من قيمة اقتصادية كبيرة يعتمد عليها في تمويل مختلف المشروعات الاجتماعية الخيرية، ولذا يعد من أفضل الآليات والوسائل لاستمرار تدفق ريع المشروعات الخيرية التي تسعى إلى مكافحة الفقر والحرمان والجهل والمرض لضمان حياة أكثر استقراراً، حيث يلعب الوقف دوراً مهما في تفعيل الدورة الاقتصادية، وتحقيق عجلة النمو المطرد ومعالجة المشكلات الاقتصادية المزمنة، والتخفيف من عبء الإنفاق الذي يقع على كاهل الدولة، ومن هنا دعت الحاجة إلى ضرورة إحياء دور الوقف في المجتمعات الإسلامية عامة، وتنمية موارده للنهوض بعملية التنمية المستدامة.
ثقافة الوقف
ويخلص الدكتور شبل في دراسته إلى النتائج التالية حول "ثقافة الوقف": أولاً، أكدت الدراسة أن نظام الوقف في ظل الإسلام أصبح مؤسسة عظمى لها أبعاد إنسانية لا تتعلق بالمسلمين فقط، وإنما تمتد لتشمل الإنسانية كلها، وغطت أنشطتها سائر أوجه الحياة في المجتمع الإسلامي.
وثانيا: أن مؤسسة الوقف تلعب دوراً مهما في عملية التنمية المستدامة، من حيث نشر التعليم والتعلم، وتوفير الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية بأنواعها كافة فضلا عن الدور المهم في تنمية الموارد الذاتية والإنتاجية اللازمة للاقتصاد المصري.
وثالثا: أن مؤسسة الوقف أسهمت في تنمية قطاع ثالث متميز عن كل من القطاعين الخاص والحكومي، استطاع أن يحقق وظائف دينية واجتماعية واقتصادية وثقافية، وإنسانية، تعبيرا حياً للسماحة والعطاء والتضامن والتكامل الاجتماعي.
ورابعا، أن الوقف الإسلامي واجه مشكلات عديدة نجمت عن تدخل الدولة وفرض وصايتها وهيمنتها عليه ما كان سبباً في تقلص ثقافة الوقف، ولذا فإن التنمية المستدامة التي ينشدها المجتمع لا يمكن أن تنجح إلا إذا نشرت الوعي بأهمية الوقف الخيري، خاصة أن برامج التنمية الناجحة تقوم على تضافر الجهود الأهلية مع الجهود الحكومية.
يذكر أن البحث يقوم على عديد من المباحث أولها: يعنى الإطار المفاهيمي للوقف الإسلامي من حيث مفهوم الوقف الإسلامي، وأنواعه، وخصائصه ومجالاته ثم تحديد مفهوم التنمية المستدامة وأهم أبعادها الأساسية. ثم مبحث ثان: يتناول لمحة تأصيلية لفلسفة الوقف الإسلامي ومقاصده في الشريعة الإسلامية ثم تحليل التطور التاريخي للوقف الإسلامي في مصر في الوقت المعاصر، ودور هيئة الأوقاف المصرية في إدارة أموال الوقف ومشكلاته واستثمارها. ومبحث ثالث يوضح أهمية الوقف الإسلامي في برامج التنمية المستدامة ومدى قدرة الوقف على تنمية قطاع ثالث متميز عن كل من القطاعين الخاص والعام حيث يقدم حلاً اقتصاديا في تشكيل نظام رفاهية، وتنمية عن طريق الناس، وللناس دون الحاجة إلى الاعتماد الكلي على الدولة في كل شيء، وهو ما يمكن أن يقدم حلولاً فعلية لمشكلات الناس في القطاعات المجتمعية كافة، وينتهي البحث بالخاتمة التي تتناول أهم ما توصل إليه من نتائج وتوصيات.